جنيف
ألقى معالي مفوض حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني، السيد الشيخ أحمدو ولد سيدي، اليوم الثلاثاء، بقصر الأمم بجنيف، كلمة الوفد الموريتاني المشارك في أعمال الجلسات عالية المستوى للدورة ال55 لمجلس حقوق التابع للأمم المتحدة.
وقد تركزت كلمة الوفد الموريتاني على التقدم الحاصل في البلاد في مجال ترقية وحماية حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، لاسيما من خلال تطوير وتعزيز الإطار القانوني والمؤسسي وتبني المقاربات التشاركية في إعداد وتنفيذ السياسات والبرامج وتعزيز قدرات الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين العاملين في المجال.
كما أكدت كلمة الوفد على الموقف الرسمي المناصر للقضية الفلسطينية وجهود الدولة المرتبطة بقضايا الساحل والصحراء.
وإليكم نص الخطاب.
يطيب لي بداية أن أعبر باسم حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية عن أخلص التهاني وأطيب التمنيات للمملكة المغربية الشقيقة على توليها رئاسة مجلسنا الموقر، متمنيا أن يَشهدُ عمل المجلس في ظل ولايتكم، السيد الرئيس، مزيدا من التقدم والنجاح. كما أنتهز هذه الفرصة للتنويه بالعمل المميز للمفوضية السامية لحقوق الانسان من أجل ترقية وحماية حقوق الإنسان في العالم.
السيد الرئيس؛
لا يمكن في مستهل الحديث عن حقوق الإنسان في العالم، إلا أن نستحضر ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من معاناة فاقت حدتها كل التوقعات والتصورات. إن مشاهد الدمار الهائل، وآلاف القتلى، وعشرات آلاف المشردين والجرحى، من النساء، والأطفال، والمسنين والأبرياء العزل، لَمِن أبشع صور الجرائم ضد الإنسانية. فأين هي قداسة حقوق الإنسان؟ وكرامتِه؟ وأين هي القيم الإنسانية والقانون الدولي؟
إن المجتمع الدولي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى على مضاعفة الجهود للوقوف في وجه الجرائم الانسانية ضد المدنيين في غزة والتدخل بالثقل المطلوب لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية الضرورية بالكم المطلوب حتى لا يفقد المجتمع الدولي مصداقيته وَيُسْقِطُ الثقة بشعاراتهِ ومبادئهِ وحتى لا تكون كرامة الإنسان وحقوقه تتفاوت قدسيتها بحسب الانتماء.
إن من واجبنا جميعا أن نسعى لتحقيق الوقف الفوري لإطلاق النار وفك الحصار، توطئة للشروع في تحريك عملية سلام تقوم بموجبها دولة فلسطينية ذات سيادة، طبقا لقرارات الشرعية الدولية.
السيد الرئيس،
على الرغم من الجهود الكبيرة وحجم المنجز في مجال حقوق الإنسان على مختلف الأصعدة، فإن عالمنا ما يزال يواجه مجموعة من العوائق والتحديات الجمة التي تقف حجر عثرة دون تطبيق العديد من المعاهدات ذات الصلة، ودون تمتع البعض بأبسط حقوقه الأساسية والضرورية.
ولعل من بين تلك العوائق والتحديات -على سبيل المثال لا الحصر- النزاعات المسلحة والتهريب والإرهاب، والهجرة السرية، والتأثيرات المناخية والمتاجرة بالبشر.
وفي هذا الإطار، لا تزل بلادي تواصل جهودها الحثيثة، على المستوييْن الدولي والإقليمي، للمساهمة الفعلية في إيجاد حلول لمختلف بؤر النزاع في العالم وخاصة تلك القائمة في جوارنا الإقليمي في منطقة الساحل والصحراء، باستقبال وإيواء النازحين وطالبي اللجوء، ورفع التحديات عن طريق سياسات متنوعة ومقاربة أمنية شاملة سعياً للتصدي للإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة العابرة للحدود. وستعزز هذه الجهود بحول الله مع انتخاب بلادنا لرئاسة الاتحاد الافريقي لهذا العام.
السيد الرئيس،
عرفت حالة حقوق الإنسان في موريتانيا خلال العام المنصرم انجازات كبيرة في مجال ترقية وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تعززت معها المكتسبات الوطنية في مجال بناء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، تم اعتماد الإستراتيجية الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان، الأولى من نوعها في البلاد، والتي تم إعدادها بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وفقا لنهج تشاوري طويل، شمل مختلف أطياف الفاعلين في الميدان الحقوقي. وسيمكن تنفيذ هذه الاستراتيجية من تجسيد رؤية موريتانية شاملة لمختلف قضايا وإشكالات حقوق الإنسان في البلد، تحقيقا للعدالة والرقي الاجتماعيين وتعزيز دولة القانون وإقامة مجتمع شامل خال من كل أشكال الإقصاء.
عرف كذلك الإطار المؤسسي لحقوق الإنسان تطورا هاما في بلادي، لا سيما من خلال تفعيل الهيئة الوطنية لمحاربة الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين، التي تعمل من خلال آلياتها المتعددة، على ضمان حماية حقوق ضحايا هذه الظاهرة المشينة.
السيد الرئيس،
في مجال ترقية الحقوق المدنية والسياسية، تنظم الحكومة عدة مشاورات مع الأحزاب السياسية بشأن التحضير الشامل والتوافقي الذي يضمن شفافية ونزاهة الانتخابات الرئاسية التي ستجري في منتصف العام الجاري.
ونظرا لما تشكله الإدارة من محورية في التواصل بين الأجهزة الحكومية والخدمية منها بصفة خاصة مع المواطنين والمقيمين، عمدت بلادي إلى إنشاء قطاع حكومي مكلف بالرقمنة. كما تم استحداث تطبيق هويتي الذي يتيح للمواطنين استصدار وثائقهم المدنية بكل سلاسة ويسر.
وسعيا منها إلى تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واصلت الحكومة تنفيذ برنامج الأولويات الموسع لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي يتضمن أكبر عدد من المشاريع المتزامنة في تاريخ البلد، والذي يهدف إلى رفع القوة الشرائية للمواطنين وتحسين الولوج للخدمات الأساسية وخلق فرص العمل.
وفي مجال الحكامة الاقتصادية، تم اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الرشوة، ويتواصل إصلاح الصفقات العمومية من خلال رقمنة مسطرة الإجراءات. كما تم نشر التقرير السنوي لعام 2022 المتعلق بمبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية وتسلمت بلادنا جائزة القيادة للمبادرة لعام 2023 وانتُخِبت لرئاسة المجموعة الرابعة لغرب وشمال أفريقيا والشرق الأوسط.
السيد الرئيس،
عززت بلادنا تفاعلها الإيجابي مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان. وفي هذا السياق، استضفنا خلال العام المنصرم زيارة من الفريق العامل للأمم المتحدة المعني بحقوق المرأة والفتاة.
كما شاركنا في الحوار التفاعلي مع المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بأشكال الرق المعاصرة، لنقاش التقرير الختامي لزيارته التي قام بها لبلادي في عام 2022.
كما قدمت بلادي، وفقا لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، التقارير الأولية والدورية أمام هيئات المعاهدات التالية:
• لجنة مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛
• لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛
• لجنة حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري؛
• لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
السيد الرئيس،
أسمحوا لي أن أثمن عاليا، باسم حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، جهود كافة هيئات الأمم المتحدة المواكبة والداعمة لبلادنا في مجال حقوق الإنسان، وخاصة مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في بلادنا، وكذا المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وكافة الشركاء الفنيين والماليين.
وختاما، أعرب لكم عن عزم السلطات العليا في بلادنا على المضي قدما في مواكبة كافة الجهود الرامية إلى حفظ وصون كرامة الإنسان وفق المعايير الدولية والإمكانات والموارد المتاحة، متمنيا لأعمال دورتنا التوفيق والنجاح.
و اشكركم والســلام عـليكم ورحمة الله تعالى وبركاته